اسحاق
.:: مشرف::.
عدد الرسائل : 73 العمر : 73 البلد : تاريخ التسجيل : 02/02/2009
| موضوع: معركة ملاذ كرد ، ذكرى عزة وفتح من الله الأربعاء أبريل 15, 2009 8:24 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على قائد المجاهدين وسيد الأولين والآخرين محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين. ما أعظم ذكريات الأبطال إذا ازوَرّت العزائم ، وفترت الهمم ، ووازن المثبطون بين الفريقين بميزان العدد والعتاد ... عندها يتميز الرجال ويصدق الصادقون ويخلص المخلصون. إنها معركة ملاذ كرد، يوم من أيام المسلمين الخالدة، كبدر واليرموك وحطين والقادسية ... معركة غيّرت وجه التاريخ، وأثّرت في مسيرته، كانت نقطة فاصلة، ضعضعت دولة الروم، وأضعفت قوتها، فكانت بدايةَ خيرٍ لفتح القسطنطينية على يد القائد محمد الفاتح. في مثل هذه الأيام المباركة، نذكر هذه المعركة المصيرية الفاصلة علها تكون دافعاً للمسلمين لإعادة الأيام الخالدة.. لقد جعل الله في الذكريات سلوى للذين يفتقدون الغوالي، وإننا في هذه الأيام نفتقد قائدنا وعزوتنا، نفتقد لحظات النصر وأيام الله فينا. فما هي هذه المعركة... إنها معركة ملاذ كرد، وقائد المسلمين فيها ألب أرسلان كان قائداً ماهراً مقداماً، عمل على تثبيت الدولة من الداخل، ونشر الإسلام إلى العالم بالجهاد ...كان متلهفاً للجهاد في سبيل الله، وكان حريصاً على نصرة الإسلام ورفع رايته، كانت غايته إزالة الفاطميين من الوجود لتوحيد العالم الإسلامي تحت الخلافة العباسية، فكانت روح الجهاد هي المحرك للفتوحات عنده، ضم حلب والشام والرملة والقدس، وأعد جيشاً لفتح بلاد الأرمن، وجورجيا ففتحها وضمها إلى بلاد المسلمين. أحس الإمبراطور البيزنطي (رومانوس الرابع ) بخطر ألب أرسلان، فجهز جيشاً ضخماً يتكون من مائتي ألف مقاتل جاء بجحافل أمثال الجبال من الروم والرخ والفرنج . تحرك بهم من القسطنطينية، ومَنّى نفسه بنصر حاسم، يقضي على خطر السلاجقة، إنه غرور القوة... أطمعته قواته وعتاده بأن النصر حليفه آت لا ريب فيه. أدرك ألب أرسلان حرج الموقف، فهو أمام جيش ضخم، وجنده لا يتجاوزون خمسة عشر ألفاً، ولكن ألب أرسلان كان عظيم الإيمان بالله، كان يقول إني أقاتل صابراً محتسباً، فإن سلمت فبنعمة من الله، وإن كانت الشهادة فيا فوز المحسنين. ونظراً لقلة جنده أرسل إلى رومانوس يطلب المهادنة فأبى، وملكه البطر والغرور- كحفيده اليوم حاكم أمريكا - رفض رومانوس الصلح وهدد السلطان بالهزيمة والاستيلاء على ملكه، وقال: لا هدنة إلا في قلب عاصمتك (الري). فريع لهذا الرد وعرف أن ملك الروم جمع جموعه، وعبأ جنده ونثر حقده؛ فتوهجت إرادة ألب أرسلان، واستنارت عزيمته، وتوقد مضاؤه، وتراءت له غرف الفردوس، فعمد إلى جنوده يشعل في نفوسهم روح الجهاد وحب الاستشهاد .. أوقد في قلوبهم جذوة الصبر، والثبات، وآزره وشد من عضده الفقيه أبو نصر البخاري قائلاً له: (إنك تقاتل عن دينٍ وعد الله بنصره وإظهاره على سائر الأديان، وأرجو أن يكون الله تعالى قد كتب باسمك هذا الفتح المبين فسر على بركة الله). وفي يوم الجمعة تجمع المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها للصلاة في مساجدهم، والخطباء يدعون للمسلمين بالنصر والظفر، والملايين تؤمن على الدعاء وكان الدعاء مقرونا بالإجابة. وحين دنت ساعة اللقاء في آخر ذي القعدة، صلى بهم الإمام أبو نصر البخاري الجمعة، وبكى السلطان، فبكى الناس لبكائه، ودعا ودعوا معه، ولبس البياض وتحنط وقال: إن قتلت فهذا كفني . وعجل بدخول المعركة في لحظات نفحات الدعاء الصاعدة إلى ربها، وأخذ السيف والدبوس، والتفت إلى جنده، والدموع في عينيه من خشية الله ، وقال من أراد أن ينصرف فلينصرف فما ها هنا سلطان يأمر وينهى. هكذا تستنهض العزائم إذا فترت عند اللقاء.. هكذا تستثار الهمم إذا لاحت بوادر الزعزعة... عفّر ألب أرسلان وجهه بالتراب، وبكى والتجأ إلى الله في الدعاء ومضى على بركته إلى ساح الوغى .. وواللهِ، بأمثال هؤلاء تفتتح الدنيا. فنحن قوم نتوهج اقتداراً إذا حاول الكافر إذلالنا ... نصنع المعجزات إذا أحيط بنا ... نكتتب قصوراً في الجنة إذا عقدنا العزم على أن نهزم عدونا ... إنها بيعة الموت .. إنها كبيعة الرضوان، سجلت فصلاً من فصول العزة. حمل السلطان وحملت عساكر المسلمين معه، أقدموا كالأسود الضواري تفتك ما يقابلها، هاجموا الأعداء بجرأة وشجاعة، أمعنوا فيهم قتلاً وتجريحاً، فتبدد شمل جيش الروم، وضاع نظامه، وتبعثرت قطعانه، ووقعوا بين قتيل وجريح ومأسور، وما هي إلا ساعة حتى انقشع غبار المعركة، عن جثث الروم تملأ السهل والجبل ووقع رومانوس أسيراً للمسلمين، فقام بين يدي ألب أرسلان وقبل الأرض بين يديه. فقام السلطان فأطلق سراح رومانوس بعد دفع فدية مقدارها مليون ونصف دينار ذهب، وعلى أن يطلق سراح كل أسير مسلم في أرض الروم، وعلى أن يدفع الروم جزية مدة خمسين عاماً، وأن يتعهد الروم بعدم الاعتداء على دولة الإسلام. عاد رومانوس إلى دياره، وأسقط من عداد الملوك، وعين مكانه ميخائيل السابع، ووضع في السجن وسملت عيناه. بعد هذه المعركة، انحسر نفوذ الروم، واشتد عود الدولة الإسلامية، وواصل المسلمون فتوحاتهم، وانتهت هذه الفتوحات بالإطاحة بدولة الروم، والاستيلاء على القسطنطينية. أيها الإخوة: لو بزغ فجر قائد كألب أرسلان هذه الأيام... لو كانت للمسلمين دولة خلافة يقودها قائد رباني... لو كان لهذه الجيوش قائد مقدام، لتبدد شمل الغزاة على أرض العراق وكشمير والشيشان وأفغانستان وفلسطين ... لو كان لنا قائد لكان لنا جُنّة نقاتل من ورائه، ولأمكن الله من الفجرة، ولأسر قائد الكفرة، ولاستغاثوا يطلبون الصفح والغفران. تلك هي سنة الله في معارك المسلمين مع أعدائهم، جيشٌ يسبح الله، ويأخذ بالأسباب، وقائد يلجأ إلى الله، وجندي يحمل السلاح بحقه، ينادي يا نفس إن لم تقتلي تموتي؛ وعقيدةٌ راسخة يقينية في أن الباطل سيهزم مهما طال واستطال ومهما عتا وتكبر .. تدفع المسلمين للإقدام قائلين: يا ريح الجنة هبي .. ويا خيل الله اركبي. عندها لينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز.. عندها ليولُنّ الأعداءُ الأدبار ثم لا ينصرون . فيا ربِّ، عجل لنا نصرك وفرجك؛ خلافةً راشدة على منهاج النبوة ... آمين .. آمين... والحمد لله رب العالمين. | |
|